ما هي عقلية الضحية؟
مسار السعادة الثالث: العلاقات الإيجابية

ما هي عقلية الضحية؟

 مدة القراءة: 10 دقائق

:في هذا المقال

  •  ستتعرّف على المعنى العميق لعقلية الضحية، أسباب نشأتها، آثارها النفسية، علاماتها السلوكية، وكيفية التحرر منها عبر خطوات وعي وتغيير حقيقية


نمرّ جميعًا بلحظات نشعر فيها بأن الحياة لم تكن منصفة، أو أن الآخرين خذلونا، أو أن الظروف أقوى منا. هذه المشاعر طبيعية ومشروعة. لكن عندما تتحوّل إلى أسلوب تفكير دائم وشعور مستمر بالعجز والظلم، قد نكون دخلنا دون وعي في ما يُعرف بـ عقلية الضحية. هذا النمط النفسي يُربكنا، يُضعف طاقتنا، ويجعلنا نرى الحياة من زاوية ضيقة لا تسمح بالنمو. في هذا المقال، سنأخذك في رحلة لفهم عقلية الضحية من جذورها، كيف تتشكل، كيف تظهر في حياتك، وما الذي يمكنك فعله لتخرج منها بقوة ووعي وحرية.

تعريف عقلية الضحية و الشعور بالعجز المتكرر

عقلية الضحية هي نمط تفكير يجعل الشخص يعتقد أنه دائمًا متضرر من الآخرين أو من الظروف، وأنه لا يملك القدرة على التغيير أو المواجهة. لا تتعلق هذه العقلية بحادثة واحدة، بل بطريقة يعيش بها الإنسان كل تجاربه، حيث يرى نفسه ضحية مستمرة للحياة. في علم النفس، يُنظر إلى هذا النمط كآلية دفاعية ظهرت بسبب تجارب صعبة في الماضي، لكنها تستمر حتى عندما لا تكون الظروف مؤذية. هذا الاعتقاد الداخلي المستمر يخلق سلوكيات تُكرّس العجز بدل تجاوزه.، يبدأ التحرر منها بإدراك أن الشعور بالعجز المستمر ليس حقيقة، بل قصة قابلة لإعادة الكتابة!

 جذور عقلية الضحية؛ من الطفولة إلى الهوية

غالبًا ما تتشكل عقلية الضحية في الطفولة، خاصة إذا نشأ الشخص في بيئة من الازدراء، والإهمال العاطفي، أو التحقير المستمر. الطفل الذي لم يُمنَح مساحة للتعبير، أو تمّ تحقيره عند الخطأ، يتعلّم أن "الضعف" هو وسيلته للنجاة. مع الوقت، تتحوّل هذه الطريقة إلى هوية: "أنا لا أستطيع… أنا دائماً مخطئ… لا أحد يهتم بي." وفقًا لعلم النفس الإيجابي، فإن هذه الهوية ليست ثابتة، لكنها تصبح مريحة للدماغ لأنها معروفة.
وكلما أدركنا أن هذه العقلية ليست حقيقة جوهرية، بل استجابة قديمة، يصبح التحرر منها ممكنًا.

أبرز علامات عقلية الضحية

هناك سلوكيات وأفكار متكررة تميز عقلية الضحية، منها:

  • لوم الآخرين باستمرار على الأخطاء.

  •  الشعور المزمن بالظلم.

  • مقاومة النصائح أو الحلول.

  • التهويل العاطفي للمشكلات.

  • الخوف من تحمّل المسؤولية.
    هذه العلامات لا تعني أن الشخص سيء، بل أنه عالق في نمط نفسي يُشعره بعدم الأمان. لكن ما إن تُلاحظ هذه العلامات بصدق وشفافية، حتى تبدأ مسيرة التغيير. والوعي بهذه الإشارات هو أول خطوة نحو استعادة التحكم في الحياة.

 تأثير عقلية الضحية على العلاقات والصحة النفسية

عقلية الضحية لا تؤثر فقط على الفرد، بل تُشوّه علاقاته. الشخص الذي يشعر دائمًا بأنه مظلوم قد يُفسّر أي ملاحظة على أنها هجوم، وأي اختلاف على أنه خذلان. مع الوقت، يبتعد الناس عنه، ويزداد شعوره بالوحدة. نفسيًا، هذا النمط يُعزّز مشاعر القلق، الاكتئاب، والعجز. دراسة نُشرت في Journal of Personality and Social Psychology وجدت أن الأشخاص الذين يتبنّون عقلية الضحية هم أكثر عرضة للتوتر المزمن وقلة الرضا عن الحياة. وهكذا، يصبح الشعور بالضحية دائرة مغلقة تعيد إنتاج الألم الذي يخشاه الشخص.

 الفرق بين الضحية الحقيقية وعقلية الضحية

من المهم التمييز بين من تعرض فعليًا للظلم، ومن يتبنّى عقلية الضحية بشكل دائم. يمكن أن تكون ضحية في موقف ما، وهذا إنساني ومفهوم. لكن أن تجعل من ذلك هوية دائمة، وأن ترى كل الحياة من خلاله، فهذا هو الخطر. الضحية الحقيقية تبحث عن الشفاء. أما عقلية الضحية، فتبحث عن من يؤكّد لها أنها لا تملك القدرة على التشافي وأنه غير ممكن بسبب ظرف أو شخص آخر. إدراك هذا الفرق يمنحنا تعاطفًا مع أنفسنا، دون أن نُبرر البقاء في موقع العجز. لأنك عندما تختار أن تتحرّك رغم ما حدث لك، فأنت لم تعد ضحية، بل ناجٍ وشجاع.

 كيف تتحرر من عقلية الضحية؟

التحرر من عقلية الضحية ليس حدثًا مفاجئًا، بل مسار من الوعي والممارسة. إليك 4 خطوات عملية:

  1. الوعي: لاحظ أفكارك ومتى تميل إلى الشكوى أو اللوم. اكتبها.

  2. تحمّل المسؤولية: اسأل نفسك: "ما دوري في ما حدث؟ وما الذي أستطيع تغييره؟"

  3. تغيير القصة: بدّل سردك الداخلي من "أنا ضعيف" إلى "أنا أتعافى".

  4. ابحث عن الدعم: سواء من صديق واعٍ أو معالج نفسي.

هذه الخطوات تُحرّك فيك قوة جديدة، وتُذكّرك أن في داخلك قدرة على التغيير. فأنت لست ما حدث لك، بل ما تصنعه بما حدث لك.

٣ أدوات بسيطة وفعّالة للخروج من عقلية الضحيّة

إليك هذه الأدوات الفعالة والقابلة للتطبيق بسهولة مع الوعي

  • ممارسة الامتنان: كل يوم، اكتب 3 أشياء تشعر بالامتنان لوجودها. هذا يُدرّب الدماغ على ملاحظة ما هو موجود، لا ما هو مفقود.

  • وضع الحدود: لا تسمح لمن يُغذّي إحساسك بالعجز أن يسيطر على حياتك.

  • الاختيار الواعي: توقف كلما أردت أن تشكو، واسأل: "ما الخيار الذي أملكه الآن؟"

هذه الأدوات ليست حلولًا سحرية، لكنها ممارسات تُعيدك تدريجيًا من موقع الضحية إلى موقع القائد لحياتك.

 الخاتمة

عقلية الضحية ليست عيبًا شخصيًا، بل دعوة للتشافي. هي انعكاس لألم لم يُفهم بعد، أو لندوب قديمة تحتاج إلى تعاطف لا إلى حكم. أن تعلق في عقلية الضحية يُعطّل أجمل ما فيك: قدرتك على اتخاذ القرار، على الحب، على التغيير. تذكّر: القوة لا تعني أن لا تُجرح، بل أن تعرف كيف تُرمم نفسك. وكما يقول فيكتور فرانكل، الناجي من معسكرات النازية:

"بين المحفّز والاستجابة، توجد مساحة… في تلك المساحة تكمن حريتنا."

امنح نفسك تلك المساحة، واختر أن تخرج من دور الضحية… إلى دور الإنسان القوي والواعي.

مقالات ذات صلة

شارك بالتعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني. الخانة المشار إليها مطلوبة *

يرجى ملاحظة أنه يجب الموافقة على التعليقات قبل نشرها