🕒 مدة القراءة: 9 دقائق
في هذا المقال ستتعلّم:
كيف تؤثر الساعة البيولوجية على صحتك النفسية والجسدية، ولماذا توقيت نومك واستيقاظك يمكن أن يصنع فارقًا جذريًا في حياتك".
الساعة البيولوجية ليست رفاهية.. إنها ضرورة بقاء
الساعة البيولوجية، أو ما يُعرف بالإيقاع اليوماوي (Circadian Rhythm)، هي نظام توقيت داخلي يتحكم في كل وظائفنا الحيوية من النوم والاستيقاظ، إلى إفراز الهرمونات، وحتى الحالة المزاجية. تؤكد الدكتورة ريم النعيمي في كتابها الساعة البايولوجية أن اضطراب هذا النظام لا يؤدي فقط إلى الأرق أو التعب، بل يمكن أن يسهم في أمراض مزمنة مثل الاكتئاب، السكري، وأمراض القلب. وقد أظهرت دراسة نُشرت في مجلة The Lancet Psychiatryأن اضطرابات الإيقاع الحيوي ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالاضطرابات المزاجية. هذه المعلومات تجعلنا نعيد النظر في عاداتنا اليومية، فمثلاً، النوم المتأخر باستمرار والعمل الليلي لا يؤثر فقط على الطاقة، بل يخل بالتوازن الطبيعي بين الجسم والعقل. وإذا تأملت حالات الاكتئاب الموسمي، ستجد أنها غالبًا ما تتزامن مع تغيرات الضوء الطبيعي—وهو دليل آخر على ارتباط الساعة البيولوجية بالحالة النفسية. في السياق الأوسع، تعكس هذه الساعة كيف أن الإنسان كائن بيولوجي مرتبط بالطبيعة والإيقاع الكوني. ما نخلص إليه هو أن الساعة البيولوجية ليست تفصيلًا صغيرًا، بل ركيزة في الصحة النفسية والبدنية. ومن هنا، يبرز جوهر كتاب الدكتورة ريم في أنه يربط بين الطب والعافية، من خلال فهم هذا النظام الحيوي الذكي.
الضوء هو القائد الأول لإيقاع حياتك
تشير الدكتورة ريم في فصول الكتاب إلى أن الضوء الطبيعي هو العامل الأقوى في ضبط الساعة البيولوجية، خصوصًا ضوء الشمس في ساعات الصباح. وقد أكد الباحثون في جامعة هارفارد أن التعرض للضوء الطبيعي صباحًا يساعد على تعزيز إفراز هرمون السيروتونين الذي يحسن المزاج وينظّم النوم. هذا يفسر لماذا يشعر الأشخاص الذين يقضون وقتًا في الهواء الطلق بنشاط أكبر وسكينة نفسية. عندما تفتتح يومك بتعرضك للشمس، فأنت ترسل إشارة قوية لعقلك بأن الوقت قد حان للانتباه والحيوية. إذا أمعنت في تجربة الأشخاص الذين يعملون في أماكن مغلقة طوال اليوم، ستلاحظ اضطرابًا في النوم ومزاجًا منخفضًا باستمرار. وفي المقابل، يظهر نمط حياة متوازن في الثقافات التي تبدأ يومها مبكرًا في الهواء الطلق. في المجمل، يمكن القول إننا حين نتجاهل الضوء الطبيعي ونتبنى نمطًا صناعيًا للنهار والليل، فإننا نخالف فطرة أجسامنا. وهذا ما يعززه الكتاب بقوة، في دعوته للعودة إلى ضوء الفجر كمصدر صحة وعافية.
النوم ليس راحة فقط، بل عملية استشفاء دقيقة
في أحد أكثر فصول الكتاب عمقًا، تتناول الدكتورة ريم النعيمي النوم كعملية "إعادة بناء" جسدية ونفسية، وليست مجرد راحة من التعب. تؤكد دراسات كثيرة، مثل تلك التي نشرتها Sleep Foundation، أن النوم في وقت غير متزامن مع الساعة البيولوجية يؤدي إلى تقليل جودة النوم حتى لو طال زمنه. الأشخاص الذين ينامون بعد منتصف الليل يعانون من اضطرابات مزاجية أكثر، ومعدلات أعلى من القلق والتوتر. وقد لوحظ أيضًا أن النوم المتأخر يزيد من إفراز هرمون الكورتيزول، ما يجعل الاستيقاظ أكثر صعوبة، والجسم في حالة ضغط دائم. تأمل في تجاربك الشخصية، كم مرة استيقظت مبكرًا بعد نوم في وقت مبكر وشعرت بطاقة مختلفة؟ هذه التفاصيل الصغيرة، مثل وقت النوم، تصنع فرقًا كبيرًا في صحتنا النفسية. حين نربط النوم بالساعة البيولوجية، فإننا نمنح الجسم الفرصة لاستخدام آلياته الطبيعية للشفاء والتجدد. وهنا، يأتي تميز الكتاب في جعله العلم مفهومًا وسهل التطبيق في الحياة اليومية.
الساعة البيولوجية وعلاقتها بالصحة النفسية
يركز الكتاب أيضًا على جانب مهم جدًا، وهو العلاقة العميقة بين الصحة النفسية والإيقاع البيولوجي. تشير الكاتبة إلى أن الاكتئاب، القلق، واضطرابات المزاج غالبًا ما ترتبط بأنماط نوم غير منتظمة أو غير متوافقة مع الساعة البيولوجية. وهذا ما أكدته دراسة حديثة نُشرت في Journal of Clinical Psychiatry، حيث تبين أن الأشخاص الذين لديهم اضطرابات في الإيقاع الحيوي يعانون من ضعف في الأداء اليومي وزيادة في أعراض الاكتئاب. فإذا كنت تشعر بانخفاض طاقتك أو تراجع حماسك، فقد يكون السبب ببساطة أنك لا تنام في التوقيت الصحيح لجسمك. خذ مثلًا الطلاب الذين يسهرون كثيرًا، رغم أنهم شباب وفي عمر النشاط، إلا أن الكثير منهم يعاني من القلق أو تقلب المزاج. هذا يوضح كيف أن الساعة البيولوجية لا تؤثر فقط على النوم، بل تمتد لتشمل الشعور العام بالحياة. في النهاية، تقدم لنا الدكتورة ريم أداة لفهم أنفسنا من منظور مختلف: ليس فقط ماذا نشعر، بل متى نشعر به.
التوقيت لا يقل أهمية عن النوعية.. في الأكل أيضًا
جانب آخر ممتع ومفاجئ في الكتاب هو الحديث عن علاقة الساعة البيولوجية بالتغذية. فالكتاب يشير إلى أن توقيت تناول الطعام يؤثر بشكل مباشر على الهضم والوزن والصحة النفسية. دراسة في Cell Metabolism أوضحت أن الأكل خارج ساعات النشاط الطبيعي للجسم (مثل الأكل في وقت متأخر من الليل) يؤدي إلى زيادة الوزن واضطرابات في سكر الدم حتى لو كانت نفس كمية السعرات. فكر في الفرق بين تناول عشاء ثقيل الساعة العاشرة مساءً وبين تناوله في السادسة مساءً—الفرق ليس فقط في الهضم، بل في جودة النوم أيضًا. إذا أعدت النظر في توقيت وجباتك بما يتناسب مع دورتك اليومية، فقد تشعر بتحسن مفاجئ في نشاطك وتركيزك. وربط هذا الجانب بالتغذية يفتح آفاقًا لفهم الصحة بشكل متكامل: من الضوء، إلى النوم، إلى الطعام. وهنا تبرز عبقرية كتاب الدكتورة ريم النعيمي في توسيع نظرتنا للصحة لتشمل التوقيت، لا المكونات فقط.
ختامًا: اضبط وقتك.. تنضبط حياتك
في النهاية، يقدم لنا كتاب الساعة البيولوجية للدكتورة ريم النعيمي أكثر من مجرد معرفة علمية؛ إنه دعوة لطريقة عيش متناغمة مع قوانين الطبيعة في داخلنا. عندما نعيد ضبط إيقاع يومنا لينسجم مع ما فُطرنا عليه بيولوجيًا، نمنح أنفسنا فرصة لحياة أكثر توازنًا، طاقة، وسلامًا نفسيًا.
استثمر في ساعتك البيولوجية، وستجني راحة لا تُقدّر بثمن.