كيف تصل إلى معنى حياتك؟
مسار السعادة الرابع: المعنى

كيف تصل إلى معنى حياتك؟

 مدة القراءة: 9 دقائق

في هذا المقال:

  •  ستتعلّم كيف تكتشف المعنى الأعمق لحياتك من خلال 5 مفاتيح نفسية وعملية مستندة إلى علم النفس الإيجابي والتأمل الذاتي.

 

يصل كل إنسان في لحظة ما إلى هذا السؤال البسيط والعميق في آنٍ واحد: "ما معنى حياتي؟" وربما لا تظهر هذه التساؤلات في لحظات الفرح، بل عندما نشعر بالتيه أو نُواجه فقدانًا أو تغيّرًا جذريًا. لكن السعي لفهم معنى الحياة ليس دليل حيرة، بل علامة وعي. فحين نسأل أنفسنا "لماذا أعيش؟" أو "ما غاية طريقي في هذه الحياة؟"، نحن لا نبحث عن إجابة فلسفية بقدر ما نبحث عن اتصال حقيقي بذواتنا. المعنى لا يُمنح، بل يُكتشف — في التفاصيل، في القيم، في التجارب.
في هذا المقال، نستعرض معًا خمس خطوات فعالة ستساعدك على اكتشاف هذا المعنى بطريقة علمية، إنسانية، وعملية في حياتك اليومية.

 

اكتشف قيمك؛ بوصلتك الداخلية التي لا تُخطأ

يبدأ المعنى بإدراك ما تعتبره مهمًا في حياتك. في دراسة نُشرت في Journal of Positive Psychology، تبيّن أن التوافق بين السلوك اليومي والقيم الشخصية يعزّز الإحساس بالمعنى إلى حد كبير. قيمٌ مثل: الصدق، الحب، الحرية، العدالة... هي المبادئ التي نعيش لأجلها دون أن نشعر. فعندما تتخذ قراراتك بناءً على هذه القيم، ستشعر بأنك على "المسار الصحيح".

توقف للحظة، واسأل نفسك: ما أهم 3 قيم في حياتي؟ وما القرارات التي تعبّر عنها؟ 
ركّز على موقف بسيط حصل مؤخرًا — مثل دفاعك عن شخص ما أو شعورك بالانزعاج من الظلم — تلك لحظات تعكس ما يهمك فعلًا. وما أن تدرك تلك القيم، حتى يصبح من السهل عليك أن تخلق حياة تتماشى معها. فالمعنى لا يتجلى أو يهبط عليك من السماء، بل يُخلق من عيش حياة تشبهك من الداخل.

 راقب اللحظات التي شعرت فيها بأنك "مفعم بالحياة"

هناك لحظات نعيشها فنشعر أنها أكبر من الزمن، لحظات يكون فيها الحضور عاليًا، والشعور بالامتلاء واضحًا. يسمّي علم النفس الإيجابي هذه اللحظات "تجارب الذروة" . قد تكون لحظة مساعدة إنسان، حديث صادق، إنجاز مهم، أو حتى لحظة صمت. إحدى الدراسات التي أجريت في جامعة ستانفورد وجدت أن الأشخاص الذين يتذكّرون هذه اللحظات ويتأملون فيها، يكونون أكثر وضوحًا في فهم غايتهم أو معنى وجودهم. تذكّر لحظة شعرت فيها أنك في "مكانك الصحيح"، ماذا كنت تفعل؟ مع من؟ فيمَ كنت تُفكر؟ عندما نربط بين تلك اللحظات المتفرقة، نبدأ في رؤية نمط يربطنا بالمعنى. فالمعنى ليس دائمًا فكرة، بل شعورٌ نختبره عندما نكون أقرب ما نكون إلى حقيقتنا.

أعد سرد قصة حياتك من منظور جديد

لكلٍّ منا قصة، لكن ما يهم حقًا هو "السردية؛ أي الطريقة التي نحكي بها تلك القصة لأنفسنا". وفقًا لعالمة النفس "دان ماكآدامز"، فإن الطريقة التي نفسّر بها أحداث حياتنا تؤثر بشكل كبير على شعورنا بالمعنى. مثلًا، هل ترى ماضيك كسلسلة من الإخفاقات؟ أم كمجموعة من الدروس التي جعلتك أقوى؟ جرّب أن تكتب قصة حياتك على شكل فصول، لكن من زاوية التعلّم، لا الألم. تأمّل كيف واجهت التحديات، كيف تعافيت، كيف تطوّرت. مثل شخص فقد وظيفته، فشعر بالضياع، ثم قرر البدء بمشروع خاص يعبّر عن شغفه. في إعادة صياغة القصة، نمنح أنفسنا القوة والمعنى بدل العشوائية. 
فالحياة ليست فقط ما يحدث لنا، بل كيف نرويه لأنفسنا.

 اربط ما تحب بما يحتاجه العالم

يظهر المعنى الحقيقي عندما نربط بين شغفنا وبين ما يُفيد الآخرين. هذا هو جوهر مفهوم "الإيكيجاي" الياباني —النقطة التي يتقاطع فيها: ما تحب، وما تتقنه، وما يحتاجه الناس، وما يمكن أن تحصل على مقابل له. يشعر كثيرون بالفراغ لأنهم يعيشون من أجل "الراتب" فقط، دون أن يكون لعملهم صدى في أعماقهم ودون أن يلامس أرواحهم. اسأل نفسك: ما الأمر الذي أفعله بسهولة وبتلقائية ويمنحني الطاقة والحماس؟ كيف يمكنني استخدامه لخدمة الآخرين؟ مثل معلم يعشق الشرح، فيكتشف أن رسالته تتجلى في تبسيط المعلومة وتمكين الطلاب. يخلق هنا التوازن بين الذات والعالم، بين العطاء والاستقبال، يصبح للحياة إيقاعٌ مختلف.
فالمعنى لا يتحقق في العزلة، بل في الأثر.

اصغِ لصوتك الداخلي واطرح الأسئلة الجوهرية

أحيانًا، كل ما نحتاجه لاكتشاف المعنى هو لحظة صمت صادق. في دراسة نُشرت في Frontiers in Psychology، وُجد أن الأشخاص الذين يمارسون التأمّل الذاتي بانتظام يكونون أكثر وضوحًا في حياتهم، وأقل تأثرًا بالضغوط الخارجية. خصّص وقتًا كل أسبوع لتجلس مع نفسك وتسأل: ما الذي يجعلني أشعر بالحياة؟ ما الذي أفتقده فعلًا؟ ما الذي أرغب أن أُضيفه للعالم؟ هذه الأسئلة ليست سهلة، لكنها كفيلة بإضاءة زوايا لم نرَها من قبل. حتى لو لم تجد إجابة مباشرة، فطرح السؤال وحده يُعدّ خطوة نحو المعنى. والمعنى، في جوهره، يبدأ بسؤال صادق يفتح أبوابًا داخلنا لم نطرقها من قبل.

 الخاتمة

المعنى ليس شيئًا ننتظره ليُخلق من العدم أو ليهبط علينا وكأنه وحي من السماء، بل شيء نخلقه — من خلال القيم التي تتجلى في سلوكياتنا وأفعالنا، واللحظات التي نكون حاضرين فيها بوعي، والقصص التي نرويها عن أنفسنا، والأثر الذي نتركه على من حولنا.
وكلما اقتربنا من ذواتنا، صرنا أقرب من الحياة التي تُشبهنا. وكما قال الفيلسوف "ألبير كامو":

"لكي تُوجد، يجب أن تُبرّر وجودك."

ابدأ اليوم. اسأل. اكتشف. وابدأ في كتابة حياة تحمل المعنى الذي تستحقه.

مقالات ذات صلة

شارك بالتعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني. الخانة المشار إليها مطلوبة *

يرجى ملاحظة أنه يجب الموافقة على التعليقات قبل نشرها