خمس خرافات منتشرة عن التسويف
مسار السعادة الخامس: الإنجاز وتحقيق الأهداف

خمس خرافات منتشرة عن التسويف


في عالم التأجيل: هل نصدق كل ما نسمعه عن التسويف؟

كم مرة وصفت نفسك بالكسول؟ أو قلت "أنا أبدع فقط تحت الضغط"، أو "سأبدأ عندما أشعر بالحماس"؟
التسويف ليس التأجيل، بل سلوك معقّد يرتبط بأفكار ومعتقدات خاطئة نصدقها ونبني عليها قراراتنا.
في هذا المقال، سنكشف خمس خرافات شائعة عن التسويف، ونستعرض ما تقوله الأبحاث النفسية عنها، وما الذي يمكننا تغييره في سلوكنا إذا تخلّينا عن هذه الأفكار. كل خرافة سنناقشها هي مفتاح لفهم أعمق لأنفسنا، وفرصة لتحرير عقولنا من أنماط التفكير التي تُعيقنا. استعد لتغيير نظرتك بالكامل إلى التسويف.


 الخرافة الأولى: أنا كسول... وهذا سبب تسويفي لكل شيء


يظن الكثيرون أن التسويف نتيجة الكسل، لكن دراسات علم النفس تُظهر أنه مرتبط أكثر بتنظيم المشاعر، لا بغياب الرغبة. المسوّف شخص يريد الإنجاز، لكنه يهرب من القلق أو الضغط المرتبط بالمهمة. هذا الهروب هو تسويف، لا كسل. عندما تتجنب مهمة لأنك تشعر بالخوف من الإخفاق، فأنت لا تفتقر للدافع، بل تواجه مشاعر غير مريحة. جلد الذات يزيد مشكلة التسويف بدلًا من حلها، لأنك تنشغل بالشعور بالذنب بدل الفعل. لاحظ أن كثيرًا من المسوّفين ينجزون المهام تحت الضغط بكفاءة — لو كانوا كسالى لما أنجزوا شيئًا. الفرق أنهم يحتاجون أدوات لتنظيم المشاعر، لا محفزات إضافية. وللأسف، يربط المجتمع بين الإنتاجية والقيمة الذاتية، وهذا يُفاقم المشكلة. لكن الحقيقة؟ التسويف ليس ضعفًا، بل نمطًا يمكن فهمه وتغييره.


 الخرافة الثانية: أنا أعمل أفضل تحت الضغط


تبدو هذه العبارة وكأنها شجاعة، لكنها في الحقيقة وسيلة دفاعية لتبرير التسويف. تُبيّن الدراسات العلمية أن العمل تحت الضغط يقلّل من جودة الإنتاج، ويُرهق الذهن والجسد. عندما تعمل في اللحظة الأخيرة، يعمل جسدك في وضعية "الطوارئ"، لا التركيز العميق. قد تُنجز المهمة، لكنك تخسر الإبداع، الراحة، والدقة مثلًا، الطالب الذي يكتب بحثه في الليلة الأخيرة قد ينجح، لكن بحثه يفتقر للتأمل والتطوير. هذا النموذج يتكرر يوميًا، ويُنهك النفس على المدى البعيد. نحن نعيش في ثقافة تمجّد الإنجاز اللحظي، لكن العلم يؤكد: الإنجاز الحقيقي يولد من التنظيم والهدوء، لا من الضغط والفوضى.


 الخرافة الثالثة: سأبدأ عندما أشعر بالحماس

يظن البعض أن الحماس هو المحرّك الأساسي للبدء، بينما الأبحاث تُظهر أن الحماس يتبع الفعل، لا يسبقه. أي أنك ستشعر بالحماس بعد أن تبدأ، لا قبل. الانتظار حتى "تشعر" أنك مستعد يؤدي إلى مزيد من التأجيل. الفعل البسيط — حتى لو لدقائق — يكسر الجمود ويحرّك الحافز من داخلك. في إحدى الدراسات، المشاركون الذين بدؤوا بالعمل رغم شعورهم بالتردد، لاحظوا تغيرًا في المزاج والتحفيز بعد وقت قصير من البداية. البدء بحد ذاته كان محفزًا. لا تنتظر الشعور المثالي، بل اخلق بيئة تسهّل الخطوة الأولى، وستأتي المشاعر لاحقًا. التغيير يبدأ بالفعل، لا بالإلهام.


الخرافة الرابعة: لو عندي وقت أكثر، لأنجزت كل شيء

كثيرًا ما نلوم ضيق الوقت، بينما المشكلة الحقيقية تكمن في طريقة استخدامنا له. دراسة من جامعة برينستون أثبتت أن إعطاء وقت أطول لم يقلّل التسويف — بل زاده!عندما نشعر أن أمامنا متّسع من الوقت، نقلل من الإلحاح الداخلي للبدء، فنستمر في التأجيل. ليست كمية الوقت هي التي تصنع الإنجاز، بل وضوح المهام وضبطها. كم مرة كنت في عطلة طويلة ولم تنجز ما كنت تخطط له؟ المشكلة لم تكن الوقت، بل غياب هيكلية العمل والإحساس بالإلحاح. الحل ليس في "وقت أكثر"، بل في إدارة الانتباه، تحديد بدايات ونهايات، وتفعيل نية واضحة للعمل. التركيز أهم من الساعات المتوفرة.


 الخرافة الخامسة: هذه طبيعتي... لا أستطيع التغيير


يعتقد البعض أن التسويف جزء من شخصيتهم التي لا يمكن تغييرها، لكن علم الأعصاب يؤكد عكس ذلك. الدماغ يتمتع بالمرونة العصبية (Neuroplasticity)، ويستطيع تكوين عادات جديدة في أي عمر. من يسوّف ليس أسيرًا لطبيعته، بل لسلوك متكرر. والتغيير يبدأ بخطوات بسيطة، مثل تقسيم المهام أو بدء العمل لخمس دقائق فقط، وهو ما أثبت فعاليته في العديد من الدراسات. مثلًا، برنامج تدخلي طلب من المشاركين مراقبة لحظات التأجيل، وتطبيق قاعدة "البدء البسيط". النتائج: انخفاض واضح في مستويات التسويف وزيادة في الإنجاز. شخصيتك ليست عائقًا. كل عادة مكتسبة يمكن استبدالها بعادة أفضل. المهم أن تؤمن بذلك، وتبدأ دون انتظار تحوّل كامل.


  التحرر من الخرافات يطلق سراحنا... والبدء هو الشفاء

التسويف لا يُعرّفك، لكنه يخبرك بشيء عنك: عن مشاعرك، مخاوفك، وطريقة إدارتك لضغوط الحياة. الخرافات التي نصدقها عن أنفسنا تقيّدنا وتمنعنا من التغيير. لكن كل خرافة تُنسف، تفتح بابًا للنمو. تخلَّ عن اعتقادك أنك "كسول" أو "لا يمكن تغييري"، وابدأ اليوم بخطوة صغيرة واحدة. اسمح لنفسك أن تفشل، أن تتأخر، أن تحاول من جديد. لأن البداية ليست في النتائج، بل في قرار داخلي يقول: "أنا أستحق الأفضل."

"التسويف هو مقبرة الإمكانيات. والبدء، مهما كان صغيرًا، هو ولادة جديدة." — مجهول

 

للإطلاع على الحقائق العلمية عن التسويف وطرق التعامل معه، اشترِ كتاب حل لغز التسويف الآن 

مقالات ذات صلة

شارك بالتعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني. الخانة المشار إليها مطلوبة *

يرجى ملاحظة أنه يجب الموافقة على التعليقات قبل نشرها